الانتداب البريطاني وحرب سنة 1948
Crystal Clear app kdict.png مقالات تفصيلية :الانتداب البريطاني على فلسطين و أعمال شغب فلسطين 1920 و ثورة البراق و حرب التطهير العرقي لفلسطين 1947 - 1948 و حرب 1948
الفريق أول إدموند ألنبي يدخل بلدة القدس القديمة بتاريخ 11 ديسمبر سنة 1917.
موسم النبي موسى في القدس في شهر أبريل من سنة 1920، أحد أشهر المناسبات الدينية الإسلامية للسكان المقدسيين منذ فتح صلاح الدين الأيوبي للمدينة.
سقطت القدس بيد الجيش البريطاني بقيادة الفريق أول إدموند ألنبي في سنة 1917، بعد أن تقهقر الجيش العثماني مهزومًا أمامهم،[93] وفي سنة 1922 منحت عصبة الأمم بريطانيا حق الانتداب على فلسطين وإمارة شرق الأردن والعراق، وأصبحت القدس عاصمة فلسطين تحت الانتداب البريطاني.
ومنذ ذلك الحين دخلت المدينة في عهد جديد كان من أبرز سماته زيادة أعداد المهاجرين اليهود إليها خاصة بعد وعد بلفور الذي أبرمته حكومة المملكة المتحدة مع ممثل الحركة الصهيونية، ثيودور هرتزل،[94] وقد أظهرت بعض إحصائيات تلك الفترة أن عدد سكان المدينة ارتفع من 52,000 نسمة عام 1922 إلى 165,000 نسمة عام 1948 بفعل هجرة اليهود.[95] أدّى ازدياد عدد اليهود في فلسطين عمومًا والقدس خصوصًا، وشرائهم للأراضي ومساعدة البريطانيين لهم، أدّى إلى استياء المقدسيين من مسلمين ومسيحيين، فقامت أعمال شغب في سنتيّ 1920 و 1929، وعُرفت الأخيرة بثورة البراق، قُتل خلالها عدد من اليهود. عمل البريطانيون على إخماد هذه الثورات، وساهموا في جعل اليهود يستقرون في المدينة عن طريق بنائهم لأحياء سكنيّة كاملة في شمال وغرب المدينة،[96][97] وإنشائهم لعدد من مؤسسات التعليم العالي، مثل الجامعة العبرية.[98]
أحيلت قضية القدس إلى الأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية، فأصدرت الهيئة الدولية قرارها في 29 نوفمبر سنة 1947 بتدويل القدس تحت رعايتها وإشرافها.[99] وجاء في القرار أنه سوف يُطبّق طيلة 10 سنوات، ويشمل مدينة بيت لحم، وأنه بعد هذه الفترة سيتم إجراء استفتاء عام لتحديد نظام الحكم الذي يرغب أغلبية سكان المدينة بتطبيقه عليهم. إلا أن تطبيق هذا القرار لم يُكتب له أن يتم، فبعد أن أعلنت بريطانيا في عام 1948 إنهاء الانتداب في فلسطين وسحب قواتها، استغلت العصابات اليهودية حالة الفراغ السياسي والعسكري وأعلنت قيام الدولة الإسرائيلية،[100] فثار العرب عمومًا الفلسطينيون خصوصًا وأعلنوا الحرب على إسرائيل، فهوجمت المدينة من قبل الجيش العربي والثوّار الفلسطينيين، وقُتل عدد من الإسرائيليين في هذا الهجوم وتم أسر البعض الآخر.[101] كذلك هاجم القنّاصة العرب القسم الغربي من المدينة.[102]
[عدل] التقسيم والضم
Crystal Clear app kdict.png طالع أيضا :قرار الأمم المتحدة 194 و القدس الشرقية و حرب 1967 و تهويد القدس
شرطي إسرائيلي يلتقي بجندي أردني قرب معبر مندلباوم على خط الهدنة الذي كان يفصل مدينة القدس بين سنتيّ 1949 و 1967.
كان من نتائج حرب سنة 1948 بين العرب والإسرائليين أن قُسمت القدس إلى شطرين: الجزء الغربي الخاضع لإسرائيل، والجزء الشرقي الخاضع للأردن.[103] وفي شهر نوفمبر من نفس السنة، أقيمت منطقة عازلة بين الجزئين، حيث قابل قائد القوّات الإسرائيلية في القدس، موشيه دايان، نظيره الأردني عبد الله التل في إحدى منازل حيّ مصرارة بالقدس، وقاما بتعليم الحدود الفاصلة بين شطريّ المدينة، حيث لوّنت حصة إسرائيل باللون الأحمر وحصة الأردن باللون الأخضر. نجم هذا اللقاء عن رسم خريطة لحدود غير رسميّة بين الطرفين المتحاربين، لكنها أخذت بعين الاعتبار عند توقيع اتفاقية الهدنة بين إسرائيل ولبنان[104] ومصر[105] والأردن[106] وسوريا[107] سنة 1949، والتي اتفقت فيها تلك الدول على وقف إطلاق النار والتزام الإسرائيليون بالبقاء ضمن هذه الحدود لحين إيجاد حل سلمي للنزاع. كذلك نصّت هذه الاتفاقية على تقسيم القدس على أن يبقى جبل المشارف في يد إسرائيل على الرغم من أنه يقع في القسم الشرقي، بوصفه جيب داخلي.[108] بناءً على هذا، أقيمت الحواجز الاسمنتيّة والأسلاك الشائكة في وسط المدينة ومرّت بالقرب من باب الخليل في الجانب الغربي من البلدة القديمة، وأُنشأت نقطة عبور شمال الأخيرة عُرفت بمعبر مندلباوم. استمرت بعض المناوشات العسكرية بين الأردن وإسرائيل بين الحين والآخر على الرغم من اتفاق وقف إطلاق النار، إلا أنها لم تكن ذات أهمية تُذكر غالبًا. كان داود بن گوريون، رئيس وزراء إسرائيل، قد أعلن في 3 ديسمبر 1948 أن القدس الغربية عاصمة للدولة الإسرائيلية الوليدة، وفي سنة 1950 أعلن الأردن رسميًا خضوع القدس الشرقية للسيادة الأردنية،[100][109] وقد اعترفت المملكة المتحدة وباكستان بهذا الضم، فيما لم تعترف دول أخرى بهذا الأمر بحجة أن القدس الشرقية خضعت للأردن بحكم الأمر الواقع وليس بشكل رسمي،[110] ويشكك البعض إن كانت باكستان قد اعترفت بضم الأردن للقدس الشرقية حتى.[111][112]
خضعت أغلبية المواقع المقدسة في القدس للسيادة الأردنية، بما أن أغلبها يقع في القسم الشرقي من المدينة، فأجرت الحكومة الأردنية عدد من الإصلاحات والترميمات لقبة الصخرة والمسجد الأقصى،[113] وسمحت للمسيحيين الأجانب بزيارة المقدسات المسيحية شرط خضوعهم للرقابة،[114] أما اليهود فلم يُسمح لهم بدخول المدينة لاعتبارات سياسية، حيث كانت الحكومة تخشى أن يعمل بعضهم في الجاسوسية لصالح إسرائيل.
جرّافات إسرائيلية تزيل ركام حارة المغاربة بعد هدمها، في يوليو سنة 1967.
مظليون إسرائيليون بالقرب من حائط البراق بعد سقوط القدس الشرقية بيد إسرائيل في شهر يونيو سنة 1967.
خاض العرب وإسرائيل حربًا أخرى في سنة 1967 انتصرت فيها الأخيرة، وقامت بالسيطرة على القدس الشرقية، وكان من نتيجة ذلك أن عاد اليهود ليدخلوا دون أي قيود إلى أماكنهم المقدسة، كذلك أزيلت القيود المفروضة على المسيحيين الغربيين، أما المسجد الأقصى وقبة الصخرة فاستمرا خاضعين للأوقاف الإسلامية. قام الإسرائيليون بهدم حارة المغاربة بعد دخولهم المدينة، بما أنها كانت تواجه حائط البراق الذي يتعبّد اليهود عنده،[115] ولكي يجعلوا من الموقع ساحة لرفع الصلاة اليهودية.[116] قامت إسرائيل بتوسيع حدود المدينة بعد انتهاء الحرب وذلك عبر بناء عدد من الأحياء السكنية والمستعمرات اليهودية شرق الخط الأخضر، وقد أقدمت إسرائيل منذ سنة 1967 بمحاولات عديدة تهدف إلى تهويد المناطق التي احتلتها بعد الحرب، وذلك عبر وسائل عديدة، منها التركيز الإعلامي على أهمية المواقع الأثرية العبرانية في المدينة.[117]
قوبل ضم إسرائيل للقدس الشرقية بالاستنكار الدولي، وبعد أن أصدرت إسرائيل قانون أساس اعتبرت فيه القدس الموحدة عاصمة أبدية للبلاد،[118] أصدر مجلس أمن الأمم المتحدة القرار رقم 478 الذي نص على أن إسرائيل خرقت قانونًا دوليًا وطالب جميع الدول الأعضاء بسحب ما تبقى من سفاراتها من القدس.[119] ما زالت مسألة القدس تُشكل قضية محورية في الصراع العربي الإسرائيلي، خصوصًا مع إقرار الحكومة الإسرائيلية بناء وحدات استيطانية جديدة على الدوام في حارات وأحياء في البلدة القديمة يسكنها مسلمون وتحوي مقدسات إسلامية،[120] في سبيل رفع عدد اليهود في القدس الشرقية، إلا أن علماء الدين المسلمون وعدد من المؤرخين العرب يزعمون أن اليهود ليس لهم أي حق في المدينة لأسباب متنوعة،[معلومة 8] منها أن حائط البراق الذي بُني منذ حوالي 2,500 سنة كان جزءًا من مسجد سليمان الذي تسميه اليهود هيكل سليمان.[121] طالب الفلسطينيون وما زالوا بالقدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية المستقبلية،[122][123] لذا لطالما كانت حدود المدينة موضع نقاش وجدال في المحادثات الثنائية بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل. أقام بعض الأشخاص من الفلسطينيين والإسرائيليين الراغبين بالسلام نصبًا تذكاريًا مصنوع من الأسلحة القديمة البالية، يواجه سور القدس القديم ونقشوا عليه عبارات بالعربية والعبرية مقتبسة من سفر أشعياء.[124]
[عدل] الجغرافيا
منظر للقدس من إحدى الهضاب المحيطة بها.
منظر لبلدة القدس القديمة من جبل المشارف.
تقع مدينة القدس في وسط فلسطين تقريبًا شرق البحر المتوسط، على رعن هضبة من هضاب جبال الخليل، التي تضم عددًا من الجبال بدورها، وهي: جبل الزيتون أو جبل الطور شرق المدينة، جبل المشارف ويقع إلى الشمال الغربي للمدينة، ويُقال له أيضًا "جبل المشهد"، وقد أقيمت فوقه في سنة 1925 الجامعة العبرية، ومستشفى هداسا الجامعي في سنة 1939، جبل صهيون ويقع إلى الجنوب الغربي وتكوّن البلدة القديمة جزءًا كبيرًا منه وتمر أسوارها من فوقه، جبل المكبر الذي سُمي بهذا الاسم عندما دخل عمر بن الخطاب القدس وكبّر على متنه، بالإضافة إلى جبل النبي صمويل، وجبل أبو غنيم. ترتفع القدس عن سطح البحر المتوسط نحو 750 مترًا (2,460 قدمًا)،[125] وعن سطح البحر الميت نحو 1150 مترًا (3,770 قدمًا).[126] بالإضافة إلى جبال القدس فإن هناك ثلاثة أودية تحيط بها وهي: وادي سلوان أو وادي جهنم[127] واسمه القديم "وادي قدرون"،[128] الوادي أو الواد، وادي الجوز، ونبع أم الدرج.[128]
كانت القدس محاطة بغابات من أشجار الجوز الزيتون الصنوبر منذ القدم، إلا أن الحروب والاستغلال البشري كان لها وقعٌ مدمّر عليها، فاختفت معظم هذه الغابات، وقد أثّر ذلك على تماسك التربة، فاضطر المزارعون إلى تشييد المدرّجات الزراعية على عدد من السفوح لمنع تآكلها وانجراف تربتها. شكّل شح المياه مشكلة للمقدسيين منذ العهود الأولى لاستيطان المدينة، فقاموا بتشييد عدد من القناطر والقنوات لجرّ مياه الأنهار، إضافة لعدد من البرك والآبار لجمع ماء الأمطار، وما زال البعض منها موجودًا بالبلدة القديمة.[129] ومن أبرز آبار المدينة بئر أيوب، نسبة إلى النبي أيوب، وهذه البئر هي التي يؤمن المسلمون أنها ذُكرت في القرآن بسورة ص، حيث جاء: ﴿ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ﴾،[126] كذلك من أبرز بركها أو عيونها، العين المعروفة بعين سلوان، وهي إحدى العيون الجارية التي يؤمن المسلمون أنها ذُكرت في القرآن أيضًا في سورة الرحمن: ﴿فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ﴾.[126] قال مجير الدين الحنبلي عن القدس في نهاية القرن التاسع سنة 900 هـ:
القدس مدينة عظيمة محكمة البناء بين جبال وأودية، وبعض بناء المدينة مرتفع على علو، وبعضه منخفض في واد وأغلب الأبنية التي في الأماكن العالية مشرفة على ما دونها من الأماكن المنخفضة وشوارع المدينة بعضها سهل وبعضها وعر، وفي أغلب الأماكن يوجد أسفلها أبنية قديمة، وقد بني فوقها بناء مستجد على بناء قديم، وهي كثيرة الآبار المعدة لخزن الماء، لأن ماءَها يجمع من الأمطار.[126][130]
القدس
تبعد القدس نحو 60 كيلومترًا (37 ميلاً) عن البحر المتوسط،[131] وحوالي 35 كيلومترًا (22 ميلاً) عن البحر الميت،[132] و 250 كيلومتر (155 ميلاً) عن البحر الأحمر، وتبعد عن عمّان 88 كيلومتر (55 ميلاً)، وعن بيروت 388 كيلومتر (241 ميلاً)، وعن دمشق 290 كيلومتر (180 ميلاً).[126] أما المدن والبلدات المجاورة للقدس فتشمل: بيت لحم وبيت جالا جنوبًا، أبو ديس ومستوطنة معاليه أدوميم شرقًا، مڤاسرت صهيون غربًا، ورام الله ومستوطنة گفعات زئيف شمالاً