اشتد البلاء على المسلمين من قريش بعد بيعة العقبة الثانية، فشكوا ذلك إلى محمد واستأذنوه في الهجرة إلى يثرب، فأذن لهم، فجعل القوم يخرجون ويخفون ذلك، فكان أول من قدم المدينة أبو سلمة بن عبد الأسد، ثم قدم المسلمون أرسالاً فنزلوا على الأنصار في دورهم فآووهم ونصروهم. ولم يبق بمكة منهم إلا النبي محمد وأبو بكر وعلي أو مفتون محبوس أو ضعيف عن الخروج.[210]
ولما رأت قريش خروج المسلمين، خافوا خروج محمد، فاجتمعوا في دار الندوة[معلومة 12] واتفقوا أن يأخذوا من كل قبيلة من قريش شابًا فيقتلون محمد فيتفرق دمه في القبائل.[210] وأتى جبريل محمد فأخبره الخبر وأمره أن لا ينام في مضجعه تلك الليلة، فأمر محمد عليًا أن ينام مكانه ليؤدي الأَمانات التي عنده ثم يلحق به. واجتمع أولئك النفر عِند بابه، لكنه خرج من بين أيديهم لم يره منهم أحد،[211] وهو يحثوا على رؤوسهم التراب تاليًا من القرآن آيات من سورة يس، فجاء إلى أبي بكر بعد أن أذن الله له بالهجرة، وقد كان أبو بكر قد جهز راحلتين للسفر، فأعطاها محمد لعبد الله بن أُرَيْقِط، على أن يوافيهما في غار ثور بعد ثلاث ليالٍ، فخرجا ليلة 27 صفر سنة 14 من النبوة (1 هـ)، الموافق 12/13 سبتمبر سنة 622م،[212] وحمل أبو بكر ماله كلّه ومعه خمسة آلاف درهم أو ستة آلاف،[213] فمضيا إلى غار ثور فدخلاه وضربت العنكبوت على بابه بعش، وجعلت قريش فيه حين فقدوه مائة ناقة لمن يرده عليهم،[214] فخرجت قريش في طلبه حتى وصلوا باب الغار، فقال بعضهم «إن عليه العنكبوت قبل ميلاد محمد» فانصرفوا. ومكث محمد وأبو بكر في الغار ثلاث ليال يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر، حتى خرجا من الغار 1 ربيع الأول،[212] وقيل ليلة الإثنين 4 ربيع الأول،[210] وكان أبو بكر قد استأجر "عبد الله بن أريقط" دليلاً لهما. فلما راحوا منها عرض لهم سراقة بن مالك وهو على فرس له فدعا عليه محمد فرسخت قوائم فرسه فقال يا محمد أدع الله أن يطلق فرسي وأرجع عنك وأرد من ورائي ففعل فأطلق ورجع فوجد الناس يلتمسون محمد فقال «ارجعوا فقد استبرأت لكم ما ههنا» فرجعوا عنه.[214]
من داخل مسجد قباء، أول مسجد أسس بعد بعثة النبي محمد، قال فيه «من توضأ وأسبغ الوضوء ثم جاء مسجد قباء فصلى فيه كان له أجر عمرة»[215]
ولما وصل خبر خروج محمد وأبي بكر من مكة، بدأ المهاجرون يرصدون قدوم محمد في كل يوم في منطقة "الحرّة" حتى وصل قباء يوم الإثنين 8 ربيع الأول،[212] وقيل 12 ربيع الأول[216] فجاءه المسلمون يسلمون عليه، ونزل على كلثوم بن الهدم، وكان يتحدث مع أصحابه في منزل سعد بن خيثمة، ونزل أبو بكر على خبيب بن إساف.[214] وأقام علي بن أبي طالب بمكة ثلاث ليال وأيامها حتى أدى الودائع التي كانت عند محمد للناس، حتى إذا فرغ منها لحق بمحمد فنزل معه على كلثوم بن هدم.[214] وبقي محمد وأصحابه في قباء عند بني عمرو بن عوف يوم الإثنين ويوم الثلاثاء ويوم الأربعاء ويوم الخميس وأسس مسجد قباء لهم، ثم انتقل إلى المدينة فدخلها يوم الجمعة 12 ربيع الأول[217][218] سنة 1 هـ الموافق 27 سبتمبر سنة 622م،[216] وعمره يومئذ ثلاث وخمسين سنة، ومن ذلك اليوم سميت يثرب بـ مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، ويعبر عنها بالمدينة مختصرًا أو المدينة المنورة. ولما دخل المدينة، راكبًا ناقته القصواء، تغنت بنات الأنصار فرحات:[212]
طلع البدر علينا من ثنيات الوداع
وجب الشكر علينا ما دعا لله داع
أيها المبعوث فينا جئت بالأمر المطاع
جئت شرفت المدينة مرحبًا يا خير داع
واعترضته الأنصار لا يمر بدار من دورهم إلا قالوا «هلم يا نبي الله إلى القوة والمنعة والثروة» فيقول لهم خيرًا ويدعو لهم، ويقول «إنها مأمورة فخلوا سبيلها»، فجعل الناس يكلمونه في النزول عليهم، حتى انتهت فبركت في مربد[معلومة 13] لغلامين يتيمين من بني النجار فأمر ببناء مسجد عليه، وهو المسجد النبوي الآن، ثم جاء أبو أيوب الأنصاري فحطّ رحله فأدخله منزله فقال محمد «المرء مع رحله»، وجاء أسعد بن زرارة فأخذ بزمام راحلته، فكانت عنده،[210] وخرجت جوارٍ من بني النجّار فرحات بقدومه وهنّ يضربن بالدف ينشدن: «نحن جوار من بني النجار، يا حبّذا محمد من جار»[219]. وكان أول شيء يتكلم به في المدينة أن قال «يا أيها الناس أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا الأرحام وصلّوا والناس نيام وادخلوا الجنة بسلام».[210] وبعد أيام وصلت إليه زوجة النبي محمد سودة بنت زمعة، وبنتاه فاطمة وأم كلثوم، وأسامة بن زيد، وأم أيمن، وخرج معهم عبد الله بن أبي بكر بعيال أبي بكر، ومنهم عائشة، وبقيت زينب عند أبي العاص، لم يمكنها من الخروج حتى هاجرت بعد بدر،[212] بعد أن وقع زوجها أسيرًا لدى المسلمين، ثم أُطلق سراحه شرط أن يترك زينب تهاجر للمدينة.[220]
وقد اتّخذ عمر بن الخطاب من مناسبة الهجرة بداية التاريخ الإسلامي، لكنهم أخّروا ذلك من ربيع الأول إلى محرم لأن ابتداء العزم على الهجرة كان في محرم، إذ كانت بيعة العقبة الثانية في أثناء ذي الحجة، فكان أول هلال استهل بعد البيعة والعزم على الهجرة هلال محرم، فكان بداية التاريخ الإسلامي والمسمى بـ التقويم الهجري.[221]
[عدل] حياته في المدينة (622 - 632 / 1 هـ - 11 هـ)
[عدل] تأسيس الدولة الإسلامية
Crystal Clear app kdict.png طالع أيضا :المسجد النبوي و دستور المدينة
لوحة تمثل المسجد النبوي في القرن 18، وجدت في إزنيق في تركيا
مسجد القبلتين والذي كان يصلي فيه محمد بأصحابه صلاة الظهر، لما نزل الأمر بتحويل القبلة من المسجد الأقصى إلى الكعبة بعد الركعة الثانية وذلك في سنة 2 هـ[222]
كان أول أمر بدأ به النبي محمد بناء المسجد، فاختار له المكان الذي بركت فيه ناقته، فاشتراه من غلامين كانا يملكانه بعشرة دنانير أداها من مال أبي بكر،[223] فأمر محمد باتخاذ اللبن، فبُني المسجد وسُقف بجريد النخل، وجُعلت أعمدته خشب النخل، وفرشت أرضه بالرمال والحصباء، وعمل فيه المسلمون،[224] وكان محمد ينقل معهم اللبن في بناءه، وجُعل له ثلاثة أبواب، وجُعل طوله من القبلة للمؤخرة 100 ذراع، وفي الجانبين مثل ذلك أو دونه، وجُعلت قبلته للمسجد الأقصى حتى نزل الأمر بتحويل القبلة إلى الكعبة بعد ستة عشر شهرًا من الهجرة (2 هـ)، برغبة من محمد.[225] وبنى بيوتًا إلى جانبه، وهي حجرات أزواج محمد وبعد تكامل الحجرات انتقل إليها من بيت أبي أيوب الأنصاري بعد أن مكث عنده من شهر ربيع الأول إلى شهر صفر 2 هـ.[226]
وبعدما صرفت القبلة إلى الكعبة بشهر نزل فرض شهر رمضان في شعبان على رأس ثمانية عشر شهًرا من الهجرة، وأمر محمد في هذه السنة بزكاة الفطر وذلك قبل أن تفرض الزكاة في الأموال.[225] وكان كل جمعة يخطب بالناس واعظًا إلى جذع في المسجد قائمًا، ويصلي بهم صلاة الجمعة، حتى صنع له منبرًا يخطب عليه، ويعتقد المسلمون أن الجذع حينها أصدر أنينًا سمعه كل من كان في المسجد كأنه يحنّ لمحمد لفراقه، فجاءه محمد واحتضنه وبشّره بالجنة.[225]
وبعد قدومة بخمسة أشهر،[223] آخى بين المهاجرين والأنصار في دار أنس بن مالك، وكانوا تسعين رجلًا، نصفهم من المهاجرين، ونصفهم من الأنصار، حتى لم يبقَ من المهاجرين أحد إلا آخي بينه وبين أنصاري[227][معلومة 14] فقال لهم «تآخوا في الله أخوين أخوين»، ثم أخذ بيد علي بن أبي طالب فقال «هذا أخي»،[228] فكان الأنصار يقتسمون أموالهم وبيوتهم مع المهاجرين، وكانوا يتوارثون بعد الموت دون ذوي الأرحام إلى حين غزوة بدر، فرد التوارث إلى ذوي الرحم وبقيت الأخوة.[224] وذكر البلاذري أن محمد قد آخى بين المهاجرين أنفسهم في مكة قبل الهجرة، بينما رجح ابن القيم وابن كثير عدم وقوعها.[229]
ثم نظم محمد العلاقات بين سكان المدينة، وكتب في ذلك كتابًا اصطلح عليه بـ دستور المدينة أو الصحيفة، واستهدف هذا الكتاب توضيح التزامات جميع الأطراف داخل المدينة من مهاجرين وأنصار ويهود، وتحديد الحقوق والواجبات،[229] كما نص على تحالف القبائل المختلفة في حال حدوث هجوم على المدينة.[230] وعاهد فيها اليهود ووادعهم أقرّهم على دينهم وأموالهم واشترط عليهم.[228] وقد احتوت الوثيقة اثنين وخمسين بندًا، خمسة وعشرون منها خاصة بأمور المسلمين وسبعة وعشرون مرتبطة بالعلاقة بين المسلمين وأصحاب الأديان الأخرى، ولا سيما اليهود وعبدة الأوثان، لذلك رجح بعض المؤرخين أن تكون في الأصل وثيقتان وليست وثيقة واحدة، كُتبت الأولى (معاهدة اليهود) في سنة 1 هـ قبل غزوة بدر، والثانية (بين المهاجرين والأنصار خاصة) بعد بدر سنة 2 هـ.[229]
[عدل] بداية النزاع العسكري
Crystal Clear app kdict.png مقالات تفصيلية :غزوات الرسول محمد و سرايا الرسول محمد
«اغزوا باسم الله في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله،
اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثّلوا ولا تقتلوا وليدًا»[231]
— محمد بن عبد الله
غزوات محمد والخلفاء الراشدين
رسم فارسي يصوّر غزوة بدر الكبرى أبرز الغزوات في العصر النبوي
في بداية وجود المسلمين في المدينة المنورة نصبت أحبار اليهود من بني قريظة وبني قينقاع وبني النضير لمحمد العداوة، لما خص الله تعالى به العرب من أخذه رسوله منهم، وانضاف إليهم رجال من الأوس والخزرج ممن لم يسلموا، فسُموا بـ المنافقين، لأنهم كانوا يُظهرون إسلامهم ويُخفون عكس ذلك،[226] كان على رأسهم عبد الله بن أبي بن سلول. وبعد أن استقر المقام بالمسلمين في المدينة، وثبتت دعائم الدولة الإسلامية، أُذن لمحمد بالقتال لأول مرة، فكانت آية ﴿أُذِنَ للذين يُقَاتَلُون بِأنَّهم ظُلِمُوا وإنَّ الله عَلى نَصرِهم لقَدير﴾ أول ما نزل في الإذن بالقتال.[232] فبدأ محمد بإرسال البُعوث والسرايا، وغزا وقاتل هو وأصحابه، وكان عدد مغازيه التي خرج فيها بنفسه سبعًا وعشرين، قاتل في تسعٍ منها بنفسه،[233] وسراياه التي بعَثَ فيها سبعٌ وأربعون سريّة،[233][234] وفي تلك المعارك كلها لم يقتل محمدٌ بيده قطّ أحدًا إلا أبي بن خلف لا قبله ولا بعده.[235] وكانت أوّل السرايا (بإجماع غالبية أهل المغازي)[236] سرية حمزة بن عبد المطلب في شهر رمضان على رأس سبعة أشهر من الهجرة، في ثلاثين رجلاً من المهاجرين فخرجوا يعترضون عيرًا لقريش فلم يقع حرب،[237] ثم سرية عبيدة بن الحارث، ثم سرية سعد بن أبي وقاص.[234] ثم في صفر 2 هـ على رأس اثني عشر شهرًا من الهجرة، خرج النبي محمد في أول غزوة يغزوها بنفسه[234] وهي غزوة الأبواء أو غزوة ودان، وحمل لواءه حمزة بن عبد المطلب، واستخلف على المدينة سعد بن عبادة.[233] تلتها غزوة بواط، وغزوة العشيرة وغزوة بدر الأولى.
[أظهر]
عرض · نقاش · تعديل
غزوات الرسول
وفي 17 رمضان سنة 2 هـ الموافق مارس عام 624م، حدثت غزوة بدر الكبرى، إذ عزم المسلمون بقيادة محمد، على اعتراض قافلة تجارية قوامها ألف بعير لقريش يقودها أبو سفيان بعد أن أفلتت منهم في طريق ذهابها إلى الشام.[238] ففي 8 رمضان أو 12 رمضان خرج محمد ومعه 305 رجل،[239][240] بالإضافة إلى أن 8 رجال تخلفوا لعذر، فحُسبوا ضمن المشاركين في الغزوة، فكان مجموعهم 313 رجلاً،[239] ولم يتخذوا أهبتهم للحرب لدى خروجهم،[238] فلم يكن معهم إلا فرس أو فرسان، وسبعون من الإبل.[240] فلمَّا علم بهم أبو سفيان غَيّرَ طريقه إلى الساحل وأرسل إلى أهل مكة يستنفرهم، فخرجوا فيما يقارب 1300 مقاتل، و100 من الفرس، وجمال كثيرة، وكان قائده العام أبا جهل ابن هشام.[238] والتقى الجمعان في غزوة بدر يوم الجمعة صبيحة 17 رمضان سنة اثنتين للهجرة،[239] وكان محمد يحض المسلمين على القتال قائلاً «والذي نفس محمد بيده، لا يقاتلهم اليوم رجل فيُقتَل صابرًا محتسبًا مقبلاً غير مدبر إلا أدخله الله الجنة، ومن قتَل قتيلًا فله سَلَبُهُ»،[241] وقد ورد في القرآن ما يؤكّد مشاركة الملائكة في المعركة لصالح المسلمين في آية: ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ﴾. ولم يمض وقت طويل حتى انتصر جيش المسلمين، وكانت حصيلة المعركة أن قُتل من المسلمين أربعة عشر شخصًا،[معلومة 15] وقتل من المشركين سبعون منهم أبو جهل وأمية بن خلف، وأُسِر سبعون،[241] وأسلم من الأسرى ستة عشر، وكان يفادي بهم على قدر أموالهم، ومن لم يكن عنده فداء دفع إليه عشرة غلمان من غلمان المدينة يعلمهم جزاء حرّيته.[240]
لاحقًا قام محمد بطرد يهود بني قينقاع في غزوة بني قينقاع، إثر قيام أحدهم بكشف عورة إحدى المسلمات في أحد الأسواق، فقام أحد المسلمين قتله، فتكالب عليه يهود من بني قينقاع حتى قتلوه وتحصنوا في حصنهم، فحاصرهم المسلمون يوم السبت 15 شوال سنة 2 هـ، مدة 15 ليلة،[242] ثم تركهم محمد بدون أن يقتلهم وأمر بهم أن يخرجوا من المدينة.[243]
جبل أحد والذي حدثت عنده غزوة أحد في سنة 3 هـ
الشِّق في جبل أحد الذي احتمى فيه محمد وبعض أصحابه بعد أن أصيبوا في غزوة أحد
سعت قريش للانتقام إثر هزيمتها في غزوة بدر، فجمعت من القبائل فخرجوا في 3000 مقاتل و200 فرس وثلاثة آلاف بعير،[244] وقائدهم يومئذٍ أبو سفيان بن حرب. ولما بلغ خبرهم لمحمد اجتمع بأتباعه واقترح عليهم أن يبقوا بالمدينة ويتحصنوا بها، لكنه سرعان ما قرر الخروج للقتال نزولاً على رأي الشباب. فخرج في ألف من أصحابه، حتى إذا كانوا بين المدينة وأحد انسحب عبد الله بن أبي بن سلول بثلث الجيش (وهم ممن يُسمَّون بـ "المافقين") وعادوا إلى المدينة.[245] ثم تابع المسلمون سيرهم ونزلوا في موقع بين جبل أحد وجبل عينين، فأخذ محمد بتسوية صفوف المقاتلين فجعل أحدًا خلف ظهره واستقبل المدينة، وجعل على جبل عينين (وهو جبل الرماة) 50 من الرماة بقيادة عبد الله بن جبير موصيًا لهم أن «قوموا على مصافّكم هذه فاحموا ظهورنا، فإن رأيتمونا قد غنمنا فلا تشركونا، وإن رأيتمونا نُقتَل فلا تنصرونا».[244] وبدأت المعركة (غزوة أحد) يوم السبت السابع من شوال سنة 3 هـ،[246][244] واقتتل الفريقان حتى بدت المعركة لصالح المسلمين بهروب أعداءهم، فظنّ الرماة انتهاء المعركة فترك معظمهم مواقعهم مخالفين أمر محمد، واستغل خالد بن الوليد هذه الحال، فالتف على الجيش وتغيرت موازين المعركة لصالح أعداء المسلمين، وأوجعوا في المسلمين قتلاً شديدًا، وولّى من وّلى منهم يومئذ، وثبت محمد مع أربعة عشر رجلاً من أصحابه فيهم أبو بكر،[244] حتى تحاجزوا وأصابوا محمدًا، فكُسرت رباعيته اليمنى السفلى وجُرحت شفته السفلى، وشُج في وجهه فجعل الدم يسيل على وجهه، وجعل يمسح الدم وهو يقول «كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم وهو يدعوهم إلى ربهم»[247]، وجُرحت وجنته فدخلت حلقتان من حِلَق المغفر في وجنته ووقع في حفرة، وضربه "ابن قمئة" بالسيف على عاتقه الأيمن، فأُشيع أن محمدًا قد قتل،[246] فلما عرف المسلمون بأنه ما زال حيًا نهضوا به نحو شِقّ في جبل أحد للاحتماء فيه، وحاول أعداؤهم الوصول إليه ففشلوا فأوقفوا القتال مكتفين بانتصارهم هذا. كان من نتيجة المعركة أن قُتل حمزة بن عبد المطلب على يد وحشي بن حرب، ومثّلت به هند بنت عتبة فشقت بطنه عن كبده وجدعت أنفه وأذناه، فسمي حينها بـ أسد الله وأسد رسوله.[245]
ولما كان يوم غد الأحد 8 شوال 3 هـ، أمر محمد أصحابه ممن شارك في غزوة أحد بالخروج في طلب قريش في غزوة حمراء الأسد، مرهبًا لقريش ليبلغهم أنه قد خرج في أثرهم وليظنّوا به قوة،[248] فخرجوا حتى عسركوا في منطقة حمراء الأسد وأوقدوا فيها 500 نارًا، وكان أبو سفيان يوم الأحد أراد الرجوع إلى المدينة ليستأصل بقية المسلمين، فنصحهم صفوان بن أمية بن خلف بالرجوع إلى مكة عندما سمع نبأ خروج محمد وأصحابه، فرجعوا، فعاد محمد وأصحابه إلى المدينة يوم الأربعاء بلا قتال.[245]
ثم في وقت لاحق في شهر ربيع الأول سنة 4 هـ[249] حدثت غزوة بني النضير بعد أن همّ يهود بنو النضير بالغدر وقتل محمد، فنقضوا بذلك الصحيفة، فأمهلهم محمد عشرة أيام ليغادروا المدينة،[249] فنصحهم عبد الله بن أبي بن سلول بالبقاء والتحصّن، فتحصنوا بحصن لهم، ثم حاصرهم محمد مدة خمسة عشر يومًا،[249] وقيل ست ليال،[250] ثم أجلاهم عن المدينة وحملوا النساء والصبيان وتحملوا على ستمائة بعير، فلحقوا بخيبر، وغنم من أموالهم ما تركوه وراءهم