إن التربية الخاصة المعاصرة تربية تقوم على الوصل لا الفصل بين مجتمع العاديين وغير العاديين وهي بالأحرى تربية تنشد توفير مكان ومكانة للمعونة سواء في المدرسة، أو في المجتمع، سعيا إلى دمج المعاقين في جسم المجتمع واندماجهم فيه كأعضاء وظيفية وانتمائهم اليه كمواطنين فعالين
إن التربية الخاصة هي انعكاس لعدد من القوى أو المؤثرات التي شكلت حركه التربية الخاصة المعاصرة والتي يمكن حصرها في عده استراتيجيات هامة، وهي: الاستراتيجية الإنسانية، الاستراتيجية التشريعية، والاستراتيجية العلمية، وفيما يلي توضيحاً لتلك الاستراتيجيات:
أ-الاستراتيجية الإنسانية
حيث ينظر من خلالها إلى الأشخاص كقيمة إنسانية عليا في مجتمع إنساني ويعتمد ذلك على:
1- التوجه القائم على النظرة العادية للمعاقين
وقوامها النظر إلى المعاق كشخص عادي، وبالتالي إلى حقه في النمو في بيئة عادية بمعنى العمل على توفير أشكال الحياة وشروط الحياة الىومية التي تقترب قدر الإمكان من الظروف العادية للمجتمع، ويتضمن ذلك المشاركة في نظام الحياة العادية ويتحقق ذلك من خلال:
تخطيط وإدارة الخدمات المقدمة للمعاقين على نحو يتلاءم مع المعايير الثقافية للمجتمع وأنماطها.
أن نحترم رغباتهم واختياراتهم، وحصولهم على امتيازات اقتصادية ومدنية عادية.
أن يقتربوا في التربية والإعداد من العادية في الحجم والمظهر.
أن توفر الخدمات المنفصلة قدر الامكان.
2- التوجه القائم على الدمج
ويعنى اندماج المعاقين في سياق بيئة اقرب إلى العادية قدر الامكان وتعاملهم في أوضاعهم وبرامج التربية النظامية العادية إلا إذا كانت مشكلات هؤلاء الأطفال تصل إلى درجة من الشدة لا تمكنهم من التوافق في البرامج العادية ولا يعنى الدمج أن كل الأطفال المعاقين يعنى تكاملهم داخل التعليم العادي وإنما يعنى بالأحرى أن يوضع الطفل غير العادي مع قرينه العادي وأن يتلقى خدمات خاصة في الفصول العادية وأن يتفاعل قدر الامكان مع أقرانه العاديين في بيئة أقل تقييداً، فالدمج يسمح بتعليم المعاق وعلاج مشكلاته دون عزل.
ب- الاستراتيجية التشريعية
حيث إن الموقف القانوني والتشريعي من مشكله المعاقين كان السبب المحرك الذي فرض حركه التربية الخاصة في العقدين الاخيرين في الولايات المتحدة الامريكيه خاصة، فقد صدرت عدة قوانين لتحسين تربية المعاقين والاهتمام بهم، أدت إلى نقلة تاريخية هامة في حركة التربية الخاصة المعاصرة.
جـ – الاستراتيجية العلمية
متمثله في نمو وتطور الاستراتيجيات التعليمية، وتطور استراتيجيات القياس، وكذلك تكنولوجيا التربية الخاصة، واستراتيجيات التدخل التي منها التدريب البصري والتدريب الإدراكى البصري والتدريب الإدراكى السمعي، وغيرها من البرامج التي تجعل للوالدىن دوراً فعالاً في عملية تعليم وتأهيل الأصم.
اعتبارات رعاية ذوي الاحتياجات الخاصة
لقد نادى الكثير من المعلمين وأولياء الأمور والمشرعين إلى ضرورة إعداد البيئة المدرسية الداعمة للاحتياجات التربوية والاجتماعية لجميع الأطفال سواء العاديين منهم أو ذوي الاحتياجات الخاصة وهو ما يسمي بالدمج الشامل Inclusion ويتم تخطيط التعليم في مدارس الدمج الشامل Inclusive Schools وفقا لجوانب قوة الفرد واحتياجاته بدلا من وضع الأفراد في برامج موحدة، حيث يعتمد التعليم فيها على نوع الإعاقة ودرجتها، ويستند مثل هذا التوجه الحديث في رعاية ذوي الاحتياجات الخاصة إلى عدة اعتبارات نجملها فيما يأتي:
1- اعتبارات دينية وأخلاقية
يقول المولى– عز وجل– "ولقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم" (سورة التين– آية 4 )، فالإنسان قيمته في ذاته والناس سواسية كأسنان المشط وبالتالي فالجميع متساوون في الحقوق والواجبات، والجميع لهم حق الرعاية، والتكافل الاجتماعي قيمة كبيرة مطلوبة لتماسك المجتمع. وقد نصت المواثيق والإعلانات العالمية على حقوق الإنسان عامة بغض النظر عما قد يعانيه من أوجه قصور أو النقص. ويبدو ان التوجه الحديث نحو الاهتمام بنجاح جميع الطلاب الذي جاء محصلة لمطالب أولياء الأمور والمختصين يركز على الاحتياجات التربوية الفردية لجميع الطلاب بغض النظر عن الفروق التعليمية بينهم.
2- اعتبارات قانونية
يعد توفير الفرص التعليمية المناسبة لجميع الأطفال– دون استثناء- حق يكفله القانون بل وهناك قوانين تنص على إلزامية التعليم قبل الجامعي في معظم دول العالم الأمر الذي يحتم استيعاب جميع الأطفال في التعليم بغض النظر عن إعاقاتهم. وتمثل الإعلانات العالمية والتوصيات التي صدرت من مختلف المؤتمرات وهيئات الأمم المتحدة اعترافاً عالمياً بحقوق المعوقين في التعليم والرعاية، فقد نص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان– مثلا– على أن جميع الأفراد ولدوا أحرارا يتمتعون بالكرامة الإنسانية، ولهم نفس الحقوق في التعليم والعمل والراحة والاستمتاع، كما أكد برنامج العمل العالمي– الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1983 - على حق المعوقين في المساواة والمشاركة المتكافئة في أنشطة الحياة المتكافئة أسوة ببقية أفراد المجتمع.
3- اعتبارات اقتصادية
تهدف التربية أساسا إلى تحقيق النمو المتكامل لجميع أفراد المجتمع وتزويدهم بالمعارف والمهارات اللازمة لكي يصبحوا أعضاء فاعلين في المجتمع نافعين له ولأنفسهم. وعلى ذلك فان عدم توفير الرعاية التربوية المناسبة لذوي الاحتياجات الخاصة سيحرم المجتمع من هؤلاء الأفراد كطاقة منتجة من جهة، وسيجعلهم عبئا على الآخرين من جهة أخرى حيث يحتاجون إلى من يرعاهم سواء في المنزل أو المدارس أو المعاهد الخاصة، وهذا يعد فريدا من الفقد في الطاقة البشرية قد تصل إلى 30% من القوة المنتجة.
إن توفير الرعاية التربوية للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة سواء المتفوقين عقليا والموهوبين بما لديهم من طاقات متميزة يمكن أن تدفع عجلة الرقي والتقدم في المجتمع وكذلك المعوقين ومحاولة استثمار مواطن القوة لديهم وتحويلهم إلى قوة منتجة..... كل ذلك يعد استثمارا اقتصاديا حقيقيا للمجتمع.
4- اعتبارات تربوية
بالإضافة إلى الاعتبارات السابقة لتوفير الرعاية المناسبة للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة مع أقرانهم العاديين فهناك فوائد تربوية أيضا. فقد أشارت منظمة الدفاع عن حقوق المعوقين وتربيتهم " انه بغض النظر عن العرق، والمستوى الاجتماعي، والجنس، ونوع الإعاقة، فكلما قضى المعوقون وقتا أطول في غرف الدراسة العادية في الصغر كلما زاد تحصيلهم تربويا ومهنيا مع تقدمهم في العمر، كما أوضحت نتائج الكثير من الدراسات أن الأطفال المعوقين بدرجة متوسطة وشديدة يمكن أن يحققوا مستوىات أفضل من التحصيل والعائد التربوي في البيئة التربوية العادية.
5- اعتبارات اجتماعية
ان توفير أساليب الرعاية التربوية المناسبة للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة مع أقرانهم العاديين يتيح لهم فرصتين أساسيتين هما التطبيع Normalization والمشاركة الوظيفية التامة Ultimate Functioning . ويعني ذلك إتاحة الفرصة لهؤلاء الأطفال لكي يعيشوا في ظل الظروف الحياتية التي يعيش فيها أقرانهم العاديين، كما توفر لهم فرص المشاركة الوظيفية التامة معهم. وهذا يحتم بالضرورة إعداد برامج تربوية تتيح لذوي الاحتياجات الخاصة التفاعل والتواصل مع أقرانهم العاديين في المدرسة وتكوين صداقات معهم، والعمل معهم، ومساعدة بعضهم البعض.
وعلى الرغم من أن العلاقة بين التربية العامة والتربية الخاصة يجب أن تقوم على قدر معقول من التعاون والمسئولية المشتركة عن الأطفال غير العاديين، فإن الأدوار التي ينبغي أن يقوم بها معلم التعليم العام أو معلم التربية الخاصة في هذا الصدد لا تكون دائماً واضحة. ولكن ما يمكن ذكره هنا هو أن كلاً من معلم التربية العامة ومعلم التربية الخاصة ينبغي أن يتشاركا في تعليم أولئك الأطفال غير العاديين من خلال بذل أقصى جهد ممكن في سبيل عمل التواؤمات اللازمة والمناسبة كي يتمكنا من إشباع حاجات الطفل أو ذاك، وتقييم قدراته الأكاديمية وجوانب القصور التي يعاني منها، وتحويلهم إلى المختصين لإجراء مزيد من التقييم لهم، والمشاركة في المؤتمرات التي تحدد أهليتهم لتلقي خدمات التربية الخاصة والوضع في برامج تربوية معينة.